17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| اترك الشرفة مفتوحة

إيقاع مختلف| اترك الشرفة مفتوحة

من الكتب التى منحتنى قراءتها متعة كبيرة، كتاب جميل للناقد الأدبى الكبير رجاء النقاش، قرأته منذ حوالى عشرين عاماً، لكنى مازلت أستحضر قبساً من متعته إلى اليوم، الكتاب اسمه "عباقرة ومجانين"، وقد التقيت على صفحاته بكوكبة من المبدعين العباقرة فى شتى ميادين الإبداع الإنسانى فى مشارق الأرض ومغاربها.

التقيت بمبدعين عرب كبار فى مقدمتهم عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد الذى كانت له مع العبقرية وقفات ووقفات، وعذراء الأدب العربى مى زيادة، التى أودعت بالفعل مستشفى للأمراض العقلية بلبنان، فى جولة من جولات الصراع حول ميراث مادى تافه.

أما العباقرة الغربيون فقد استوقفتنى مواقف شتى لمبدعين كبار، لكننى مازلت أذكر ثلاثة مواقف مدهشة فى حياة ثلاثة من العباقرة فى ميادين الموسيقى والشعر والعلم.

ففى ميدان العلم، مازلت أذكر ما روته زوجة أينشتين عن لحظات ميلاد نظرية النسبية التى قدمها للعالم هذا العالم الفذ، وكيف كان أينشتين يذهب إلى البيانو ليعزف عليه ثم يقوم ليكتب عدداً من المعادلات أو الملاحظات، ثم يعود للبيانو، وبعدها يذهب إلى حديقة المنزل ثم يعود إلى أوراقه، وهكذا، وكأنه يؤكد لنا أن العلم والفن يتعانقان مع التأمل فى روح العالم العبقرى المذهل.

وفى ميدان الموسيقى أتذكر الموسيقار العبقرى بيتهوفن، الذى أطلق اسم نابليون بونابرت على  سيمفونيّته الثالثة ليُهديها إليه باعتباره رمزاً للثورة الفرنسية، ولكنه حين علم أن نابليون قد نصب نفسه إمبراطوراً على فرنسا، اتّجه إلى مكتبه وأمسك بصفحة عنوان السيمفونية من أعلاها. وقد خطّ عليها اسم نابليون بونابارت، ومزقها بالطول، ورمى بها أرضاً، ومحا اسم نابليون بونابارت من عنوان سيمفونيته الثالثة وسماها: سيمفونية البطولة ... في ذكرى رجلٍ عظيم.

أما فى ميدان الأدب، فقد استوقفتنى مواقف عدة من حياة شاعر إسبانيا العظيم "لوركا" الذى دفع حياته ثمناً لإيمانه العميق بقيمة الحرية، كان يردد دائما: "أنا شاعر، والشعراء لا يُقتلون"، ولكنهم لم يطيقوا صبراً على أشعاره، وهو الشاعر الحالم الذى نُسب إليه أنه قال لقاتله: "أتقتلنى فى ليلة مقمرة كهذه؟!!!" وهى عبارة تبدو أسطورية متخيلة، لكنها على أية حال تظل ذات دلالة لا تخفى، أما شعر "لوركا" فسأكتفى هنا بهذا المقطع الجميل من شعره:

عندما أموت

اترك الشرفة مفتوحة

الفتى الصغير يأكل البرتقال

(أستطيع رؤيته عبر شرفتى)

المزارع يحصدُ القمح

(أستطيع سماعه عبر شرفتى)

عندما أموت

اترك الشرفة مفتوحة!
 -------------

بقلم: السيد حسن

 

 

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة